عقيدة ابن سينا بنظم الإمام ابن القيم وشرح العلامة ابن عثيمين رحمهما الله
قال الإمام ابن القيم رحمه الله
في النونية
:
فصل في كلام الفلاسفة والقرامطة في كلام الرب جل جلاله
:
وأتى ابن سينا القرمطي مصانعا*** للمسلمين بإفك ذي بهتان
فرآه فيضا فاض من عقل هو الـ*** ـفعال علة هذه الأكوان
حتى تلقاه زكي فاضل*** حسن التخيل جيد التبيان
فأتى به للعالمين خطابة*** ومواعظا عريت عن البرهان
ما صرحت أخباره بالحق بل*** رمزت إليه إشارة لمعان
وخطاب هذا الخلق والجمهور بالحـ***ـق الصريح فغير ذي إمكان
لا يقبلون حقائق المعقول إ***لا في مثال الحس والأعيان
ومشارب العقلاء لا يردونها*** إلا إذا وضعت لهم بأوان
من جنس ما ألفت طباعهم من الـ***ـمحسوس في ذا العالم الجثمان
فأتوا بتشبيه وتمثيل وتجـ ... ـسيم وتخييل إلى الأذهان
ولذاك يحرم عندهم تأويله ... لكنه حل لذي العرفان
فإذا تأولناه كان جناية ... منا وخرق سياج ذا البستان
لكن حقيقة قولهم أن قد أتوا ... بالكذب عند مصالح الإنسان
والفيلسوف وذا الرسول لديهم ... متفاوتان وما هما عدلان
أما الرسول ففيلسوف عوامهم ... والفيلسوف نبي ذي البرهان
والحق عندهم ففيما قاله ... أتباع صاحب منطق اليونان
قال الشيخ العلامة العثيمين في تعليقه على النونية
:
"
بسم الله الرحمن الرحيم ،
هذه القطعة حكى فيها المؤلف -رحمه الله- قول الفلاسفة والقرامطة في كلام الرب جل جلاله،
الفلاسفة جمع فيلسوف ،
وهو كلمة يونانية مأخوذة من [فَيل] و [سوف]
وفيل بمعنى: محب،
وسوف بمعنى: الحكمة
أي : محب الحكمة ، هذا الفيلسوف عندهم
.
أما القرامطة
فهم أتباع القرمطي المشهور بالإلحاد
.
هؤلاء يقولون :
إن كلام الله -عز وجل- هو فيض يَفيضه العقل الفعال ، والعقل الفعال عندهم هو : علّة الموجودات كلها ،
لأنهم لا يقرّون بالخالق ، يقولون: هذه الموجودات لها علّة فاعلة ، علّة معقولة ، لا محسوسة ؛
هذه العلة فاض منها فيض على نفسٍ زكية قابلة لهذا الفيض ،
فانطبع هذا الفائض من العقل الفعال في قلب هذا الرجل الزكي ،
وإنما قالوا هذا -يقول ابن القيم- مصانعة للمسلمين ،
لأنهم يدّعون الإسلام ، وليسوا كذلك ؛
و
قد صرح شيخ الإسلام وابن القيم بأن ابن سينا كافر ، ليس من المسلمين
،
وإن كان مقدساً عند القوميين العرب وأشباههم مما لا يقيمون للدين وزناً ، ولا للعقيدة اعتباراً ،
فهو عندهم مقدس ، حتى إنهم قد يُسمّون بعض المدارس باسم هذا الرجل ابن سيناء مع أنه كافر!!
والكافر لا يجوز أن يُنوه باسمه إطلاقاً ، بل يدفن ويقبر ،
و إذا كان له من دعاية أو نشر كتب مضلّة فيذكر على سبيل الذم لا على سبيل المدح
.
اسمع ما يقول مصانعة للمسلمين
:
يقول:
# فرآه فيضا فاض من عقل هو الـ*** ـفعال علة هذه الأكوان
العقل الفعال الذي هو علّة هذه الأكوان:
يعني العلة التي بها حدثت الأكوان ، وليس هناك رب -والعياذ بالله- بل هذه الأكوان حدثت بعلّة
.
# حتى تلقاه زكي فاضل*** حسن التخيل جيد التبيان
يعني به: الرسول ، النبي ، تلقى هذا الفيض ، زكي فاضل ، صفي العقيدة ، حسن التخيل ، جيد التبيان ،
يستطيع أن يعبر ببيان جيد فيقول: هذا الكلام رب العالمين !!!
.
# فأتى به للعالمين خطابة*** ومواعظا عريت عن البرهان
ما لها برهان ولا أصل إلا هذا الفيض الذي فاض من هذا العقل ، كما يدعون
.
ثم قال:
# ما صرحت أخباره بالحق بل** رمزت إليه إشارة لمعان
.
قال أيضاً
:
هذا الكلام الذي أتى به هذا الزكي لا يريد بالقرآن ظاهره ،
بل المراد به إشارات خفية يعجز عنها عامة الناس ، و لا يعرفها إلا الخواص منهم.
يقول
:
# خطاب هذا الخلق والجمهور بالحـ***ـق الصريح فغير ذي إمكان
.
يقول: لو أنهم خوطبوا ، وأُريد بالخطاب صريح ما يدل عليه ، فإن هذا ممتنع ، لماذا؟
قال لأنهم:
لا يقبلون حقائق المعقول إ***لا في مثال الحس والأعيان
.
يقول: هذا القرآن الذي فاضه العقل على نفس هذا الزكي ، هذا له معاني ظاهرة ،
ومعاني باطنة مشار إليها إشارة ، لا يفهمها الخلق والعوام ،
لأن الخلق والعوام هؤلاء لا يفهمون إلا الشيء المحسوس ،
أما الشيء المعقول فإنهم لا يدركونه ، ومحال أن يدركوه ، فالعوام لا يفهمون إلا المحسوس ،
ولهذا قال:
# لا يقبلون حقائق المعقول إلا في مثال الحس والأعيان ،
يعني
إلا إذا جُعل على صورة شيء محسوس ومعاين ، فالجنة والنار ، وما فيهما من عذاب ونعيم ،
كل هذا ليس هو المراد ، غير مراد هذا ،
لكن صوّر للعامة بصورة المحسوس من أجل أن يقبلوه ويفهموه ، المراد بالجنة وما أشبه ذلك شيء آخر ،
كل هذا تخييل وليس بحقيقة .
# ومشارب العقلاء لا يردونها...
من الذين لا يردونها؟
عامة الخلق ، مشارب العقلاء لا يردونها؛لأن مشارب العقلاء لمن؟ للعقلاء ،
أما العامة الهمج الرعاع فهؤلاء لا يمكن أن يردوا هذا ، فتضرب لهم الأمثال المحسوسة رمزا إلى أمور معقولة ..
# إلا إذا وضعت لهم بأوان....
سبحان الله ! تمثيل عجيب ، يعني ما يستطيع أن يشرب من الحوض والنهر ،
لكن إذا جئت له بماء في آنية استطاع ،
فيقول
:
إن المعقولات التي ترمز إليها هذه الكلمات ، هذه لا يَرِدُها العوام ،
إنما يَرِد العوام الأشياء المحسوسة التي يدركونها بحسِّهم.
# من جنس ما ألفت طباعهم من الـ**ـمحسوس في ذا العالم الجثمان
# فأتوا بتشبيه وتمثيل وتجـ ... ـسيم وتخييل إلى الأذهان
يعني أن هذا الذي جاءت به الرسل من كلام الله ، ما هو إلا شيء تخييل للأذهان من أجل تقريبه على العامة ،
وإلا فحقيقته غير ما يدل عليه اللفظ .
قال:
# ولذاك يحرم عندهم تأويله ...
يعني لا يجوز أن يفسر للعامة بالمعاني المعقولة المرادة! لماذا؟!
لأن العامة لا يستطيعون أن يفهموا هذا ، ولا يقبلون إلا ما شهد به الحس ،.
لكنه حل لذي العرفان ..
من ذو العرفان؟!
علماؤهم الفلاسفة ، هؤلاء فسره لهم بالمعنى المراد ، أما العامة لا ،
نأتي بمثال:
الحج هو: قصد مكة لأداء المناسك،هم قالوا: لا ؛ الحج أن تقصد المشايخ الأولياء ، تطلب منهم المغفرة ، ومسحةٍ يمسحونك بها تكون سعيداً إلى يوم القيامة ، هذا الحج .
الصيام: التعبد لله بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
قالوا : لا ! ليس هذا الصيام ، الصيام: أن تكتم أسرارنا ولا تخبر بما وراءنا ،
لأن الصيام مشتق من الإمساك ! أمسك : أسكت لا تعلّم نريد أن نملي عليك كل شيء من البلايا ،
ولكن صم ، صم يعني رمضان أم..؟
صم عن هذا الكلام لا تخبر به أحد .
طيب الصلاة هي: عبادة ذات ركوع وسجود مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم ، هذي الصلاة عند المسلمين ؛
قالوا : لا الصلاة أن تعرف أسرارنا ، لأن الصلاة من الصلة ، فهي أن تكون ذا صلة بنا ، وتعلم أسرارنا ، فالصلاة بداية ! والصيام نهاية !
صل يعني: تعلم أسرارنا ، صم : يعني اكتمها ، هذي الصلاة والصيام عندهم ؛ يا جماعة ! : الصلاة والصيام معروف عند المسلمين ، قال: لا هذا إسلام العامة ، أما نحن فإن الكلمات عندنا رموز لمعاني لا يفهمها العامة!.
يقول
:
# فإذا تأولناه كان جناية ... منا وخرقَ سياج ذا البستان
.
يعني لو تأولناه عند العامة كان هذا جناية ؛ لأن من شروط التنسك عندهم أن تكتم أسرارهم ،
ولهذا العبادة عندهم على مراحل ، أظن عشر مراحل ، ينزلها الإنسان مرحلة مرحلة حتى يصل إلى الغاية.
ثم قال
:
لكن حقيقة قولهم أن قد أتوا ... بالكذب عند مصالح الإنسان
.
يعني قيل لهم: إذا كان الأمر كما قلتم ، فما تقولون في ما جاءت به الرسل؟!
الرسل جاءوا للناس ،
وقالوا
:
هذي الصلاة وهذي الصيام وهذا الحج ، وقالوا: هناك جنة ونار ، وعذابٌ ونعيم ؛
قالوا
:
هذا كذبٌ ، كلّه كذب ، ما فيه جنة ولا نار ولا نعيم ولا عذاب ولا شيء أبدا ،
لكن هذا كذب ، كذب به الرسل من أجل المصلحة! ،
أعوذ بالله ، كذب للمصلحة؟!!
قالوا
:
نعم ،
لأن الناس إذا قيل لهم: افعلوا كذا ، قد لا يستجيبون ،
إذا قيل: لا تفعلوا كذا ، قد لا ينتهون ؛ لكن إذا قيل لهم :
إن فعلتم كذا أسكناكم جنة فيها من النعيم المقيم ما لا يخطر على البال ، وش يفعلون ؟ يفعلون أم لا ؟ يفعلون.
إذا قيل لهم : إن خالفتم أسكناكم نارا فيها من العذاب كذا وكذا ينتهون ، فالرسل كذبوا من أجل المصلحة! من أجل المصلحة!
كما تقول للصبي
:
افعل هذا أعطيك حلاوة ، ولا تفعل هذا فأكويك بالجمرة ، وِش يقول الصبي؟!
يفعل الأول ، ولا يفعل الثاني ، مع أنه ما هو بمعطيه حلاوة ، ولا هو كاويه بالجمرة !،
فهذا -والعياذ بالله- هذا رأيهم في الرسل : كذبوا عند مصالح الإنسان!.
قال
:
# والفيلسوف وذا الرسول لديهم ... متفاوتان وما هما عِدلان
الفيلسوف و الرسول متفاوتان ، بينهما فرق عظيم وما هما
عدلان ، أما الرسول- هذا الفرق-
# أما الرسول ففيلسوف عوامهم ... والفيلسوف نبي ذي البرهان
أعوذ بالله ، يقولون : الرسل هؤلاء رسل العوام ، رسل العوام! ،
أما الفيلسوف الذي هو فيلسوف عندهم ، فهو نبي ذي البرهان !!
هذا النبي الحقيقي ،
أما ذاك فهو رسول العوام ،
هل تريدون أيها الأخوة أكفر من هذا ؟!! أبداً]
هذا أكفر من كفر اليهود والنصارى
لاشك ، إذا كانوا يقولون
:
الرسل : محمد -عليه الصلاة والسلام- ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ،
هؤلاء رسل عوام كذابين ما صدقوا ، والفلاسفة عندنا هم الأنبياء ،
هم الذين يتلقون من العقل الفعال ! ، ويأتون بما فيه الخير.
قال
:
# والحق عندهم ففيما قاله ... أتباع صاحب منطق اليونان
.
يعني : لا في ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-..))اهـ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق